طليحة بن خويلد رضي الله عنه

طليحة بن خويلد رضي الله عنه

(كان طليحة يعد بألف فارس لشجاعته و شدته)

هو البطل الكرار صاحب رسول الله صلى الله عليه و سلم ، من بني أسد ، أسلم في العام التاسع من الهجرة

مع وفد بني أسد ، ثم بعد ذلك إرتد و أدعى النبوة بنجد ، و حارب المسلمين ، ثم أنهزم ، و خذل و لحق بآل جفنة

الغسانيين بالشام . ثم أسلم بعد وفاة الرسول صلى الله عليه و سلم و جاء مكة معتمرا أيام الصديق ، و أستحيى

أن يواجهه مدة حياته ، و قد رجع فشهد القتال مع خالد ، و كتب الصديق إلى خالد أن إستشره في الحرب و لا

تؤمره - هذا من فقه الصديق - رضي الله عنه . و عاد إلى الشام مجاهدا في عهد عمر رضي الله عنه فشهد

اليرموك و القادسية و نهاوند و قد حسن إسلامه بعد كل هذا و كان يعد بألف فارس لشدته و شجاعته و بصره

بالحرب .

قال الله تعالى : ( قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوامن رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه

هو الغفور الرحيم ) ، و قال تعالى : (إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فأعلموا أن الله غفور رحيم )

و في يوم أرماث أول أيام معركة القادسية ألقت الفرس بثقلها على (بجيلة) أقوى جانب في مصاف المسلمين

، و كان قوام الهجوم الفارسي اثنين و خمسين ألف مقاتل تساندهم تسعة أفيال ، و ألقى الفرس حسك الحديد

تحت سنابك خيل بجيلة لتتعطل عن الحركة ، و قصفوهم بوابل من نشابتهم ، و أدرك سعد ما تعانيه بجيلة و كندة

فأصدر أمره إلى أقوى و أشجع قبيلة تقع على ميمنة بجيلة ، و هي قبيلة بني أسد : ذبوا عن بجيلة و من لافها

من الناس . فاستجابت أسد لأمر سعد و قام طليحة خطيبا و قال يا عشيرتاه ، إن المنوه باسمه الموثوق به ،

و أن هذا - يعني سعدا - لو علم أن أحدا أحق بإغاثة هؤلاء منكم إستغاثهم ... ابتدئوا الشدة ، و أقدموا عليهم

إقدام الليوث الحربة .. فإنما سميتم أسدا لتفعلوا فعلة الأسد ، شدوا و لا تصدوا ، و كروا و لا تفروا ، لله در

ربيعة ! أي فرى يفرون ، و أي قرن يفنون ! فأغنوا عن مواقفكم أعانكم الله ، شدوا عليهم باسم الله )

و قد كان يوم أرماث هو يوم أسد حقا ، فلم يبل أحد في ذلك اليوم مثل بلائهم بقيادة طليحة بن خويلد.

و في يوم عماس من أيام معركة القادسية غامر طلحة - و كان مقداما لا يهاب الموت - و جاء خلف صفوف

الفرس و من هناك كبر ثلاث تكبيرات ارتاع لها الفرس فظنوا أن جيش الإسلام جاءهم من وراءهم .

و من مواقف شجاعته أن سعد بن أبي وقاص بعث طليحة بن خويلد في طليعة إستكشافية علي معسكر رستم و

معسكر جالينوس و قد طلب منهم أسر أحد الفرس ليستخبروه فلما عبروا قنطرة القادسية لم يسيروا إلا فرسخا

و بعض فرسخ - حواي سبع كيلو مترات - حتى رأوا خيلا عظيمة ، و قوات المجوس تتحرك بسلاحها قد ملئوا

الأرض ، فقال بعضهم إرجعوا إلى أميركم فإنه سرحكم و هو يرى أن القوم بالنجف ، و قال بعضهم : ارجعوا لا

ينذر ( يعلم بكم فيستعد) بكم عدوكم . قال طليحة كذبتم : ما بعثتم لتخبروا عن السرح و ما بعثتم إلا للخبر .

قالوا فما تريد ، قال : أريد أن أخاطر القوم أو أهلك فحاولوا إقناعه بالرجوع معهم فأبى و فارقهم .

و منذ فارق طليحة عمرا و هو يعمل للدخول إلى قلب معسكر رستم بمفرده و الذي يضم ثمانين ألف مقاتل و مثلهم

من الخدم و الحرس الخاص ، حتى تمكن من الدخول في ليلة مقمرة و بات ليلة يختبر حتى رأى فرسا لم ير مثله

من قبل فربطه إلى مقود فرسه و خرج به يعدو ، و أحس الفرس بما حدث فتنادوا ، و خرجوا يجدون في أثره . و

لحقه فارس منهم مع الصباح ، فلما أدركه و صوب إليه رمحه ليطعنه عدل طليحة فرسه و مال به عن تصويب

الفارسي فكر عليه طلحة و طعنه برمحه فقسم ظهره و أنطلق يعدو فلحق به أعجمي أخر ففعل به مثل ما فعل

بالأول و أنطلق يعدو ، فلحق به ثالث و قد رأى مصرع صاحبيه و هما ابنا عمه فازداد حنقا ، فلما لحق بطليحة و

بوأ له الرمح ليطعنه عدل طليحة فرسه و كر عليه و قد شرع رمحه يدعوه للأسر ، و أدرك المجوسي أنه

مقتول فاستسلم و كانا قد اقتربا من معسكر المسلمين فأمره طليحة أن يرقد بين يديه و هو يسوقه من خلفه

برمحه فأمتثل للأمر و عاد طليحة إلى معسكر المسلمين بالفرس و الأسير.

استدعى سعد المترجم ليقوم بالترجمة بين الإثنين فقال الأسير الفارسي : أتؤمنني على دمي إن صدقتك ؟ قال

سعد : نعم ، الصدق في الحرب أحب إلينا من الكذب . قال الفارسي : أخبركم عن صاحبكم هذا - يعني

طليحة - قبل أن أخبركم عن من قبلي .. باشرت الحروب و غشيتها ، و سمعت بالأبطال و لقيتها و منذ أنا غلام

إلى أن بلغت ما ترى ، و لم أرى و لم أسمع بمثل هذا أن رجلا قطع عسكرين لا يجترئ عليهما الأبطال إلى

عسكر فيه سبعون ألفا ، يخدم الرجل منهم الخمسة و العشرة إلى ما هو دون فلم يرض أن يخرج كما دخل

حتى سلب فارس الجند و هتك أطناب بيته ، فأنذره فأنذرنا به ، فطلبناه فأدركه الأول و هو فارس الناس

يعدل ألف فارس فقتله ، فأدركه الثاني و هو نظيره فقتله ، ثم أدركته و لا أظن أنني خلفت بعدي من يعدلني ، و

أنا الثائر بالقتيلين و هما أبناء عمي فرأيت الموت فاستأسرت . ثم أخبر سعدا عن أهل فارس بأن الجند

عشرون و مائة الف و أن الأتباع مثلهم خدام لهم ، و رغب في الإسلام فأسلم بمحض إرادته فسماه سعد مسلما ،

فكان يوم القادسية و غيرها من أهل البلاء ، فقد إستفاد منه المسلمون لخبرته بأرض فارس ، و لأنه فارس يعدل

بألف .

و بعد حياة طويلة مليئة بالتوبة الصادقة و العمل للدين و البطولات النادرة في أرض الشرف و الجهاد ظل البطل

يبحث عن الشهادة في مظانها إلى أن رزقه الله الشهادة في يوم نهاوند بعد أن أبلى بلاءا حسنا

فرضي الله عنه و أرضاه

بارك الله فيك اخي الكريم على ماقدمت
مجهود طيب واصل
تحياتي