بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إذا كان التعاون بين العباد على الخير، وتكميل فضائل النفوس وتعبيد الناس لله وحده، لا شريك له، واجب المسلم فيما بينه وبين الناس، مثلما كان واجبه مع ربه تقواه ومخافته، {وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}(المائدة 3). {وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} (العصر 1-3). فإن تعاون المسلمين مع غير المسلمين فيما يتعلق بتحقيق المصالح المشتركة أمر ممدوح، فالمجالات الإنسانية واسعة وقيادتها أوسع خاصة أن الإسلام دين الإنسانية، والمسلمون بإيمانهم بما بعث الله من رسل وبما أنزل عليهم من كتاب أقرب إلى مفهوم الوحدة الإنسانية من غيرهم الذين يفرقون بين الله ورسله أو لا يؤمنون بذلك.
فمثلا عندما كان المسلمين مقيمين في مكة مستضعفين، والمستضعفون من المسلمين لهم أحكام، وإذا طلب منهم التعاون فيما يجلب مصلحة أو يدفع مضرة، فمن المصلحة المشاركة في ذلك، والإسلام يدعمهم ويؤيد مثل هذه الأمور، يقول ربنا عزوجل في سورة الممتحنة: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ}، (الممتحنة
والبر الصلة وحسن الخلق، وقد فسره النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح فقال: "البر حسن الخلق" وقد أمرنا الشرع أن نقول للناس حسنا وأن نخالق الناس بخلق حسن، وقال صلى الله عليه وسلم: "اتق الله حيثما كنت واتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن" أي عامة الناس: المسلم والكافر.
ومادام الأمر يدور على تحقيق المصالح ودرء المفاسد، فإن المسلم يتعاون مع رعايا الدولة التي يقيم فيها، والتي أصبح هو فردا من أفرادها، يتعاون معهم فيما يجلب المصالح وفيما يدرأ المفاسد، وينبغي أي يكون المسلم ذا سمعة حسنة، فإن الدعوة إلى الله من أعظم وسائلها القدوة الصالحة، والقدوة الصالحة هي بالقول الصالح والعمل الصالح وبأن يمثل الإسلام خير تمثيل في تلك المجتمعات حتى يعجب أولئك بأخلاق المسلمين ويطمئنوا لها ويوجهوا أولادهم للاقتداء بها، فإن هذا من أعظم ما يجب على المسلمين. إذ الدعوة إلى الله واجبة على المسلمين أداؤها بالقدوة من أعظم الواجبات، فإن ربنا جل وعلا يقول لنبيه صلى الله عليه وسلم: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي} فجميع أتباع حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم يجب أن يكونوا دعاة إلى الله بالقدوة الحسنة والقول الحسن والتعاون فيما ينفع والابتعاد عما يضر.
إذا ما دام المشركين لم يقاتلونا ولم يضرونا فواجبنا تجاههم أن نعاملهم بالبر والقسط وأن نقف معهم وننصرهم كما كان يفعل قدوتنا وحبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم مع غير المسلمين وكذلك كان حابته
ومنها: تنازع علي رضي الله عنه - وهو أمير للمؤمنين- مع يهودي في درعه الذي فقده، فوجده عند يهودي يبيعه في سوق الكوفة، فتقاضيا عند القاضي شريك - رحمه الله- فلما لم تكن بينة عند علي t قضى بالدرع لليهودي، فقال اليهودي: أمير المؤمنين قدمني إلى قاضيه! وقاضيه يقضي عليه! أشهد أن هذا الدين على الحق، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله، وأن الدرع درعك يا أمير المؤمنين، سقطت منك ليلاً.
أما من مظاهر وضوابط التعامل معهم فأذكر لكم بعضها ملخصة فيما يأتي :
أولا: عدم توجيه أي سب أو شتم إلى ديانتهم, ومجادلتهم بالتي هي أحسن عملا بقوله تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} (آل عمران 46)، وقوله تعالى: {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} (العنكبوت 64).
ثانيا: التعاون معهم في إنكار المنكر الذي يرونه منكرا أيضا في ديانتهم فإن الحكومات الموجودة في الغرب حاليا طغت عليها المادة والإباحية عموما حتى أصبح المعروف لديها منكرا والمنكر معروفا، وفي أحايين كثيرة نرى بعض النصارى متضايقين من تصرفات أولياء أمورهم لكنهم لا يجدون قوة كافية لردع كثير من المنكرات المتفشية في مجتمعاتهم لأجل تكالب قوى الشر وراءها.
ثالثا: استغلال بعض المناسبات التي يدعى إليها المسلمون لشرح حكم الإسلام إما بالمشاركة أو بمقاطعتها إذا استدعى الأمر ذلك.
رابعا: هناك عدد من ضروب العمل التي يمكن عن طريقها مناصرة المسلمين وشد أزرهم وتقوية وجودهم ومساعدة عاجزهم وملهوفهم مثل المحاماة والشرطة والعمل الاجتماعي وينبغي للمسلمين عدم إغفالها أو الاحتراز منها.
خامسا: من الممكن في ظل النظام الجمهوري السائد في أكثر الدول الأوربية والولايات المتحدة الأمريكية تحقيق كثير من مصالح المسلمين ولا يمكن ذلك إلا إذا شارك المسلمون في العمل السياسي الموجود في هذا البلاد مثل قبول العضوية في أحد الأحزاب السياسية المشاركة في الانتخابات بشرط ألا يؤدي ذلك إلى نقض عروة من عرى الإسلام أو إلى موالاة قلبية لغير المسلمين أو مناصرة فعلية لأعداء الإسلام.
هذا مع مراعاة الضوابط الشرعية للاختلاط والسلوك اليومي مع غير المسلمين